فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن الحسن: لا يبدىء، أي إبليس، لأهله خيرًا، ولا يعيده: أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة.
وقيل: الشيطان: الباطل، لأنه صاحب الباطل، لأنه هالك، كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك.
وقيل: الحق: السيف.
عن ابن مسعود: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فجعل يطعنها بعود نبقة ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا} {جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد}.
وقرأ الجمهور: {قل إن ضللت} بفتح اللام، {فإنما أضل} بكسر الضاد.
وقرأ الحسن، وابن وثاب، وعبد الرحمن المقري: بكسر اللام وفتح الضاد، وهي لغة تميم، وكسر عبد الرحمن همزة أضل.
وقال الزمخشري: لغتان نحو: ضللت أضل، وظللت أظل.
{وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي} وأن تكون مصدرية، أي فبوحي ربي.
والتقابل اللفظي: وإن اهتديت فإنما أهتدي لها، كما قال: {ومن أساء فعليها} مقابل: {من عمل صالحًا فلنفسه} {ومن ضل فإنما يضل عليها} مقابل: {فمن اهتدى فلنفسه} أو يقال: فإنما أضل بنفسي.
وأما في الآية فالتقابل معنوي، لأن النفس كل ما عليها فهو لها، أي كل وبال عليها فهو بسببها.
{إن النفس لأمّارة بالسوء} وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه، وهذا حكم عام لكل مكلف.
وأمر رسوله أن يسنده إلى نفسه، لأنه إذا دخل تحته مع جلالة محله وسر طريقته كما غيره أولى به.
انتهى، وهو من كلام الزمخشري.
{إنه سميع قريب} يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله.
والظاهر أن قوله: {ولو ترى إذ فزعوا} أنه وقت البعث وقيام الساعة، وكثيرًا جاء: {ولو ترى إذ وقفوا على النار} {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم} وكل ذلك في يوم القيامة؛ وعبر بفزعوا، وأخذوا، وقالوا؛ وحيل بلفظ الماضي لتحقق وقوعه بالخبر الصادق.
وقال ابن عباس، والضحاك: هذا في عذاب الدنيا.
وقال الحسن: في الكفار عند خروجهم من القبور.
وقال مجاهد: يوم القيامة.
وقال ابن زيد، والسدّي: في أهل بدر حين ضربت أعناقهم، فلم يستطيعوا فرارًا من العذاب، ولا رجوعًا إلى التوبة.
وقال ابن جبير، وابن أبي أبزي: في جيش لغزو الكعبة، فيخسف بهم في بيداء من الأرض، ولا ينجو إلا رجل من جهينة، فيخبر الناس بما ناله، قالوا، وله قيل:
وعند جهينة الخبر اليقين

وروى في هذا المعنى حديث مطول عن حذيفة.
وذكر الطبري أنه ضعيف السند، مكذوب فيه على رواية ابن الجراح.
وقال الزمخشري، وعن ابن عباس: نزلت في خسف البيداء، وذلك أن ثمانين ألفًا يغزون الكعبة ليخربوها، فإذا دخلوا البيداء خسف بهم.
وذكر في حديث حذيفة أنه تكون فتنة بين أهل المشرق والمغرب، فبينما هم كذلك، إذ خرج السفياني من الوادي اليابس في فوره، ذلك حين ينزل دمشق، فيبعث جيشًا إلى المدينة فينتهبونها ثلاثة أيام، ثم يخرجون إلى مكة فيأتيهم جبريل، عليه السلام، فيضربها، أي الأرض، برجله ضربة، فيخسف الله بهم في بيداء من الأرض، ولا ينجو إلا رجل من جهينة، فيخبر الناس بما ناله، فذلك قوله: {فلا فوت} ولا يتفلت منهم إلا رجلان من جهينة، ولذلك جرى المثل: وعند جهينة الخبر اليقين، اسم أحدهما بشير، يبشر أهل مكة، والآخر نذير، ينقلب بخبر السفياني.
وقيل: لا ينقلب إلا رجل واحد يسمى ناجية من جهينة، ينقلب وجهه إلى قفاه.
ومفعول ترى محذوف، أي ولو ترى الكفار إذ فزعوا فلا فوت، أي لا يفوتون الله، ولا يهرب لهم عنما يريد بهم.
وقال الحسن: فلا فوت من صيحة النشور، وأخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها. انتهى.
أو من الموقف إلى النار إذا بعثوا، أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا، أو من صحراء بدر إلى القليب، أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم، وهذه أقوال مبنية على تلك الأقوال السابقة في عود الضمير في فزعوا.
ووصف المكان بالقرب من حيث قدرة الله عليهم، فحيث ما كانوا هو قريب.
وقرأ الجمهور: {فلا فوت} مبني على الفتح، {وأخذوا} فعلًا ماضيًا، والظاهر عطفه على {فزعوا} وقيل: على {فلا فوت} لأن معناه فلا يفوتوا وأخذوا.
وقرأ عبد الرحمن مولى بني هاشم عن أبيه، وطلحة؛ فلا فوت، وأخذ مصدرين منونين.
وقرأ أبي: فلا فوت مبنيًا، وأخذ مصدرًا منونًا، ومن رفع وأخذ فخبر مبتدأ، أي وحالهما أخذ أو مبتدأ، أي وهناك أخذ.
وقال الزمخشري: وقرىء: وأخذ، وهو معطوف على محل فلا فوت، ومعناه: فلا فوت هناك، وهناك أخذ. انتهى.
كأنه يقول: لا فوت مجموع لا، والمبني معها في موضع مبتدأ، وخبره هناك، فكذلك وأخذ مبتدأ، وخبره هناك، فهو من عطف الجمل، وإن كانت إحداهما تضمنت النفي والأخرى تضمنت الإيجاب.
والضمير في به عائد على الله، قاله مجاهد، أي يقولون ذلك عندما يرون العذاب.
وقال الحسن: على البعث.
وقال مقاتل: على القرآن.
وقيل: على العذاب.
وقال الزمخشري وغيره: على الرسول، لمرور ذكره في قوله: {ما بصاحبكم من جنة}.
{وأنى لهم التناوش} قال ابن عباس: التناوش: الرجوع إلى الدنيا، وأنشد ابن الأنباري:
تمنى أن تئوب إليّ ميّ ** وليس إلى تناوشها سبيل

أي: تتمنى، وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا.
مثل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بعد، كما يتناوله الآخر من قرب.
وقرأ الجمهور: التناوش بالواو.
وقرأ حمزة، والكسائي.
وأبو عمرو، وأبو بكر: بالهمز، ويجوز أن يكونا مادتين، إحداهما النون والواو والشين، والأخرى النون والهمزة والشين، وتقدّم شرحهما في المفردات.
ويجوز أن يكون أصل الهمزة الواو، على ما قاله الزجاج، وتبعه الزمخشري وابن عطية والحوفي وأبو البقاء، وقال الزجاج: كل واو مضمومة ضمة لازمة، فأنت فيها بالخيار، إن شئت تثبت همزتها، وإن شئت تركت همزتها.
تقول: ثلاث أدور بلا همز، وأدؤر بالهمز.
قال: والمعنى: من أنى لهم تناول ما طلبوه من التوبة بعد فوات وقتها، لأنها إنما تقبل في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت على بعد من الآخرة، وذلك قوله تعالى: {من مكان بعيد}.
وقال الزمخشري: همزت الواو المضمومة كما همزت في أجوه وأدور.
وقال ابن عطية: وأمّا التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناوش، وهمزت الواو لما كانت مضمومة ضمة لازمة، كما قالوا: أفتيت.
وقال الحوفي: ومن همز احتمل وجهان: أحدهما: أن يكون من الناش، وهو الحركة في إبطاء، ويجوز أن يكون من ناش ينوش، همزت الواو لانضمامها، كما همزت افتيت وأدور.
وقال أبو البقاء: ويقرأ بالهمز من أجل الواو، وقيل: هي أصل من ناشه. انتهى.
وما ذكروه من أن الواو إذا كانت مضمومة ضمة لازمة يجوز أن تبدل همزة، ليس على إطلاقه، بل لا يجوز ذلك في المتوسطة إذا كان مدغمة فيها، ونحو يعود ويقوم مصدرين؛ ولا إذا صحت في الفعل نحو: ترهوك ترهوكًا، وتعاون تعاونًا، ولم يسمع همزتين من ذلك، فلا يجوز.
والتناوش مثل التعاون، فلا يجوز همزه، لأن واوه قد صحت في الفعل، إذ يقول: تناوش.
{وقد كفروا به} الضمير في به عائد على ما عاد عليه {آمنا به} على الأقوال، والجملة حالية، و {من قبل} نزول العذاب.
وقرأ الجمهور: {ويقذفون} مبنيًا للفاعل، حكاية حال متقدّمة.
قال الحسن: قولهم لا جنة ولا نار، وزاد قتادة: ولا بعث ولا نار.
وقال ابن زيد: طاعنين في القرآن بقولهم: {أساطير الأوّلين} وقال مجاهد في الرسول صلى الله عليه وسلم، بقولهم: شاعر وساحر وكاهن.
{من مكان بعيد} أي في جهة بعيدة، لأن نسبته إلى شيء من ذلك من أبعد الأشياء.
قال الزمخشري: وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي، لأنهم لم يشاهدوا منه سحرًا ولا شعرًا ولا كذبًا، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله، لأن أبعد شيء مما جاء به الشعر والسحر، وأبعد شيء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب والزور. انتهى.
وقيل: هو مستأنف، أي يتلفظون بكلمة الإيمان حين لا ينفع نفسها إيمانها، فمثلت حالهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم: آمنا في الآخرة، وذلك مطلب مستبعد ممن يقذف شيئًا من مكان بعيد لا مجال للنظر في لحوقه، حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائبًا عنه بعيدًا.
والغيب: الشيء الغائب.
وقرأ مجاهد، وأبو حيوة، ومحبوب عن أبي عمرو: ويقذفون، مبنيًا للمفعول.
قال مجاهد: ويرجمهم بما يكرهون من السماء.
وقال أبو الفضل الرازي: يرمون بالغيب من حيث لا يعلمون، ومعناه: يجازون بسوء أعمالهم، ولا علم لهم بما أتاه، إما في حال تعذر التوبة عند معاينة الموت، وإما في الآخرة.
وقال الزمخشري: أي يأتيهم به، يعني بالغيب، شياطينهم ويلقنونهم إياهم.
وقيل: يرمون في النار؛ وقيل: هو مثل، لأن من ينادي من مكان بعيد لا يسمع، أي هم لا يعقلون ولا يسمعون.
{وحيل بينهم} قال الحوفي: الظرف قائم مقام اسم ما لم يسم فاعله. انتهى.
ولو كان على ما ذكر، لكان مرفوعًا بينهم، كفراءة من قرأ: {لقد تقطع بينكم} في أحد المعنين، لا يقال لما أضيف إلى مبني وهو الضمير بنى، فهو في موضع رفع، وإن كان مبنيًا.
كما قال بعضهم في قوله: وإذ ما مثلهم، يشير إلى أنه في موضع رفع لإضافته إلى الضمير، وإن كان مفتوحًا، لأنه قول فاسد.
يجوز أن تقول: مررت بغلامك، وقام غلامك بالفتح، وهذا لا يقوله أحد.
والبناء لأجل الإضافة إلى المبني ليس مطلقًا، بل له مواضع أحكمت في النحو، وما يقول قائل ذلك في قول الشاعر:
وقد حيل بين العير والنزوان

فإنه نصب بين، وهي مضافة إلى معرب، وإنما يخرج ما ورد من نحو هذا على أن القائم مقام الفاعل هو ضمير المصدر الدال عليه، وحيل هو، أي الحول، ولكونه أضمر لم يكن مصدرًا مؤكدًا، فجاز أن يقام مقام الفاعل، وعلى ذلك يخرج قول الشاعر:
وقالت متى يبخل عليك ويعتلل ** بسوء وإن يكشف غرامك تدرب

أي: ويعتلل هو، أي الاعتلال.
والذي يشتهون الرجوع إلى الدنيا، قاله ابن عباس؛ أو الأهل والمال والولد، قاله السدي؛ أو بين الجيش وتخريب الكعبة، أو بين المؤمنين، أو بين النجاة من العذاب، أو بين نعيم الدنيا ولذتها، قاله مجاهد أيضًا.
{كم فعل بأشياعهم} من كفرة الأمم، أي حيل بينهم وبين مشتهياتهم.
و {من قبل} يصح أن يكون متعلقًا {بأشياعهم} أي من اتصف بصفتهم من قبل، أي في الزمان الأول.
ويترجح بأن ما يفعل بجميعهم إنما هو في وقت واحد، ويصح أن يكون متعلقًا بفعل إذا كانت الحيلولة في الدنيا.
وقال الضحاك: أشياعهم أصحاب الفيل، يعني أشياع قريش، وكأنه أخرجه مخرج التمثيل.
وأما التخصيص، فلا دليل عليه.
{إنهم كانوا في شك مريب} يعني في الدنيا، ومريب اسم فاعل من أراب الرجل: أتى بريبة ودخل فيها، وأربت الرجل: أوقعته في ريبة، ونسبة الارابة إلى الشك مجاز.
قال الزمخشري: إلا أن بينهما فرقًا، وهو أن المريب من المتعدي منقول ممن يصح أن يكون مريبًا من الأعيان إلى المعنى، ومن اللازم منقول من صاحب الشك إلى الشك، كما تقول: شعر شاعر.
انتهى، وفيه بعض تبيين.
قيل: ويجوز أن يكون أردفه على الشك، وهما بمعنى لتناسق آخر الآية بالتي قبلها من مكان قريب، كما تقول: عجب عجيب، وشتاشات، وليلة ليلاء.
وقال ابن عطية: الشك المريب أقوى ما يكون من الشك وأشده إظلامًا. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السموات والأرض} يعني: المطر والنبات فإن أجابوك وإلا {قُلِ الله} يعني: الله يرزقكم من السموات والأرض {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ} يعني: قل لهم أحدنا {لعلى هُدًى} والأخرى على الضلال.
يعني: إنا على الهدى وأنتم على الضلالة وهذا كرجل يقول لآخر: أحدنا كاذب وهو يعلم أنه أراد به صاحبه.
ويقال: في الآية تقديم يعني: وإنا على الهدى وإياكم {أَوْ في ضلال مُّبِينٍ}.
ثم قال عز وجل: {قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} يعني: لا تسألون عن جرم أعمالنا {وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} يعني: لا نسأل عن جرم أعمالكم.
ويقال: لا تأخذون بجرمنا، ولا نؤخذ بجرمكم.
قوله عز وجل: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يعني: يوم القيامة نحن وأنتم {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} يعني: بالعدل {وَهُوَ الفتاح العليم} القابض العليم بما يقضي {قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء} أروني آلهتكم الذين تعبدون من دون الله، وتزعمون أنها له شركاء.
أي: ماذا خلقوا في السموات والأرض من الخلق {كَلاَّ} يعني: ما خلقوا شيئًا {بَلْ هُوَ الله} خالق كل شيء {العزيز} في ملكه {الحكيم} في أمره.